المواطنة الجامعة… نحو عقد وطني جديد بين الدولة والمجتمع

كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن المقالة الخامسة من سلسلة (7 - 10) من سلسلة: من الأزمة إلى النهضة… رؤية إنقاذ وطن، ما يلي:
تمهيد: حين تتحوّل المواطنة إلى تصنيف… يتهدّد الوطن بالتفكك
منذ نشأة الدولة القُطرية في مصر، ظلت المواطنة تُقدَّم بوصفها “صفة قانونية”، أو بطاقة هوية تُعطي الفرد حق التنقّل والتصويت، لكنّها نادرًا ما تحوّلت إلى عقد حقيقي جامع بين الدولة والمجتمع، يُلزم الطرفين بواجبات متبادلة ويكفل الحقوق بعدالة كاملة.
وحين غابت هذه الرؤية، تحوّلت المواطنة إلى درجات غير معلنة:
• بين من يحظى برضا السلطة ومن يُقصى منها؛
• بين من يتمتع بامتيازات غير مشروطة ومن يُعامل كتهديد دائم؛
• بين من تُفتح له فرص الحياة، ومن يُمنَع منها باسم الانتماء أو التاريخ أو الموقف.
وفي هذا السياق، يصبح المشروع الوطني مهددًا من جذوره، لأن الأوطان لا تُبنى على الولاء للسلطة، بل على الانتماء لعدالة شاملة لا تميّز بين مواطنيها.
أولًا: المواطنة… ليست حيادًا عن الهوية بل تكاملًا معها
لطالما طُرحت المواطنة – في بعض الخطابات – بوصفها نقيضًا للهوية الثقافية أو الدينية، وكأن على المواطن أن يتخلّى عن مرجعيته كي يكون جزءًا من الدولة. وهذه مقولة خطيرة ومُضلِّلة.
فالمواطنة الحقيقية لا تعني إقصاء الهويات، بل إدارة التنوع في ظل عقد قانوني جامع، يُساوي بين الجميع أمام الحقوق والواجبات، دون تذويب أو إقصاء.
إنّ مصر بتاريخها العريق وثقافتها المتعددة لا يمكن أن تُختزل في لون واحد، أو مذهب واحد، أو نمط ثقافي واحد.
والمواطنة الجامعة هي التي تُوفّق بين الانتماء الحضاري والالتزام الدستوري، دون تعارض أو تصادم.
ثانيًا: الدولة التي تُفرّق بين مواطنيها… تُدمّر ذاتها بصمت
حين تتحوّل الدولة إلى كيان يفرّق بين المواطنين على أساس الولاء السياسي أو الخلفية الاجتماعية أو المرجعية الفكرية، فإنها لا تهين مواطنيها فحسب، بل تُقوّض الشرعية التي بُنيت عليها.
لقد اختُزلت المواطنة في التجربة المصرية الحديثة إلى:
• إذعان لا مشاركة،
• وولاء للنظام لا التزام بالقانون،
• وخدمة للسلطة لا انتماء للوطن.
وبالتالي، فإن الحديث عن “عقد وطني جديد” لا يمكن أن ينطلق من داخل هذه المنظومة المتآكلة، بل من تصور وطني جامع تتبناه القوى المستقلة، ويؤمن أن المواطنة لا تُمنح… بل تُبنى.
ثالثًا: مظاهر تآكل المواطنة في الواقع المصري
ليست المواطنة نظرية مجردة، بل تُقاس من خلال تجلّيات يومية واضحة:
• ■ التمييز في الفرص: الوظائف، التعليم، السفر، الإعلام، تُتاح وفق الولاء لا الكفاءة.
• ■ القانون الانتقائي: يُطبّق على الضعفاء بصرامة، ويتجاوز الأقوياء بصمت.
• ■ التصنيف الأمني: يُلاحق المواطن بسبب أفكاره، لا أفعاله؛ وتُحدد قيمته السياسية وفق موقفه من السلطة.
• ■ الإقصاء من المجال العام: يُحرَم الآلاف من حق التمثيل السياسي أو النقابي أو المجتمعي، فقط لأنهم لا يُطبّلون للسلطة.
إنها دولة المواطنة الاسمية، لا الحقيقية… حيث الجميع “مصريون” على الورق، لكن ليسوا سواءً في الحقوق والكرامة والمكانة.
رابعًا: من مواطنة السلطة… إلى مواطنة العقد الاجتماعي
لا يُمكن ترميم المواطنة في ظلّ منطق التفويض أو الإقصاء أو التصنيف. بل لا بد من صياغة عقد وطني جديد يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على أسس:
1. المساواة الكاملة أمام القانون
لا تمييز على أساس الدين، أو الرأي، أو الأصل، أو الخلفية السياسية. المواطن مواطن، ولا سيادة إلا للحق.
2. التمثيل العادل
ضمان مشاركة كل فئات الشعب في المؤسسات المنتخبة، والنقابات، ومجالس الإدارة المحلية، دون تدخل أمني أو تحكُّم فوقي.
3. حرية الانتماء والتعبير
لكل مواطن الحق في اعتناق ما يشاء من أفكار، والتعبير عنها، وتنظيم ذاته مع من يشاء، ما دام في إطار سلمي قانوني.
4. آلية واضحة لردّ المظالم
تُستحدث بها مؤسسات للعدالة الانتقالية، وردّ الاعتبار لكل من حُرم من حقه، سياسيًا أو قانونيًا أو اجتماعيًا.
خامسًا: القوى الوطنية… هي من تكتب العقد الجديد
في ظل عجز النظام القائم عن إنتاج عقد وطني عادل، أو حتى الحفاظ على الحد الأدنى من الإنصاف، تقع المسؤولية التاريخية على عاتق القوى الوطنية المستقلة، التي تمتلك التصور، والتجربة، والامتداد المجتمعي.
هذا العقد لن يُكتب من قِبل السلطة، بل من داخل المجتمع نفسه، عبر توافقات وطنية تقوم على:
• ضمان الحقوق لا تجزئتها،
• توسيع المجال العام لا احتكاره،
• الاعتراف بالتعدد لا إنكاره،
• تحويل المواطنة من صفة قانونية إلى علاقة حقيقية قائمة على الكرامة والمساواة والانتماء.
خاتمة: المواطنة ليست ورقة… بل روح وطن
لن تنهض مصر في ظل مواطنة منقوصة، ولا في ظل دولة تُصنّف أبناءها وتُقصي مَن لا يشبهها.
النهضة تبدأ حين يعرف المواطن أنه شريك في الوطن لا تابع للسلطة، وأن له حقوقًا لا تُنتزع، وكرامة لا تُساوَم، ومكانة لا تُشترى.
المواطنة الجامعة ليست صيغة وسطًا بين الانتماءات، بل قاعدة صلبة لوطن يتّسع للجميع، ويصون الجميع، ويُشرك الجميع.
ولذلك، فإن كتابة العقد الوطني الجديد هي أولى معارك الإنقاذ، وأهم محطات التأسيس… من أجل دولة تُبنى على التعدد، وتحكم بالعدل، وتحترم الإنسان لأنه مواطن… لا لأنه موالٍ. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يتساءل الأستاذ محمد كوكطاش بقلق عن جدوى اندفاع تركيا لشراء الطائرات الغربية، في ظل خطاب إعلامي مبالغ فيه حول قوت تركيا الجوية، متسائلًا: ضد من سنستخدم هذه الطائرات فعلًا؟ وهل سنُمنح أصلًا حرية استخدامها؟
كتب الأستاذ " محمد علي المصري " الكاتب المختص بالقانون والحقوق الإنسانية ضمن مقال بعنوان في وجه الجرافات... يثبت العنوان وتبقى الأرض وصل وكالة إيلكا نسخة منه وجاء فيه:
أكد الأستاذ "إسلام الغمري" خلال مقالة لوكالة إلكا للأنباء أن أي مشروع إنقاذ وطني حقيقي، لا بد أن يعيد الاعتبار لفكرة "الشورى المجتمعية" بوصفها جوهرًا للحكم الراشد، لا مجرّد إجراء شكلي، أو موسم انتخابي ينتهي في صناديق مغلقة.