المرجعية الشرعية لمراجعات الجماعة الإسلامية… بين فقه النص وفقه الواقع

كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن سلسلة: الجماعة الإسلامية المصرية… من المواجهة إلى الرؤية، مايلي:
حين أعلنت الجماعة الإسلامية في أواخر تسعينيات القرن الماضي عن مبادرتها التاريخية لوقف العنف، لم يكن ذلك مجرد موقف سياسي عابر، بل كان ثمرة اجتهاد شرعي عميق، أعاد النظر في كثير من المفاهيم الكبرى مثل: الجهاد، والولاء والبراء، ومفهوم الدولة، والعلاقة مع المجتمع.
وقد تميزت هذه المراجعات بكونها ذات مرجعية علمية راسخة، لم تُبنَ على انفعال لحظي أو رغبة في النجاة من الضغوط الأمنية، بل جاءت بعد دراسة دقيقة للواقع، وموازنة واعية بين النصوص الشرعية والمقاصد الكلية.
أولًا: مراجعات لا تراجعات… اجتهاد نابع من الداخل
منذ اللحظة الأولى، أكدت قيادات الجماعة الإسلامية أن المراجعات لم تكن استجابة لضغط أمني أو مساومة سياسية، وإنما جاءت نتيجة تفكير ذاتي، نابع من داخل الجماعة، اشترك فيه العلماء والشرعيون والقيادات الميدانية، بعد تقييم موضوعي لتجربة استمرت لأكثر من عشرين عامًا.
وقد صدرت المراجعات في سلسلة من الكتب المهمة، أبرزها:
• مبادرة وقف العنف… رؤية شرعية وفكرية
• تساؤلات حول فقه الجهاد
• تساؤلات حول فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
• العمليات الاستشهادية
• مسائل في فقه الدعوة والعمل العام
وتميّز هذا المشروع الفكري بـ:
• العودة إلى أصول الشريعة في القرآن والسنة وأقوال الأئمة الأربعة.
• اعتماد فقه المقاصد ومراعاة المآلات، دون أن تُهمل دلالات النصوص.
• الطرح المتزن الذي ابتعد عن التكفير، واستبعد الغلو والانغلاق.
ثانيًا: فقه الواقع مكمل لا مناقض لفقه النص
من أبرز ما يُحسب لمراجعات الجماعة الإسلامية أنها لم تجعل من الواقع خصمًا للنصوص، بل تعاملت معه بوصفه ساحة لتنـزيل الأحكام، وفق ضوابط الشرع وروح المقاصد.
وقد أبرزت المراجعات عدداً من النقاط المركزية، من أبرزها:
• أن المجتمع المصري ليس دار حرب بل دار دعوة وتبليغ.
• أن استهداف المدنيين والسياح والمنشآت العامة لا يُقرّه الشرع ولا يحققه مآلاً.
• أن الحكم على الناس لا يقوم على الظن أو المخالفة، بل على معايير دقيقة في التكفير والحكم.
• أن إقامة الدولة الإسلامية لا تكون بالعنف والسطو، بل بالإصلاح المجتمعي والوعي التدريجي.
وقد لخّص الدكتور عصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة – رحمه الله – هذا التوجه بقوله:
“الفرق بيننا وبين من يعارضوننا ليس في حب الدين، بل في فهم كيفية تنزيل الشريعة على واقع الأمة.”
ثالثًا: فقه المقاصد حاضر في صلب الرؤية
خلافًا لما اتسمت به بعض الحركات من جمود ظاهر أو اعتماد حرفي على النصوص دون اعتبار للنتائج، جاءت مراجعات الجماعة لتُعيد الاعتبار إلى فقه المقاصد الشرعية، من خلال:
• حفظ النفس: بتحريم العمليات العشوائية واستهداف الأبرياء.
• حفظ الدين: من خلال الدعوة بالحكمة لا الإكراه.
• حفظ المال: عبر تحريم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.
• حفظ الأمن المجتمعي: برفض الفوضى أو بث الخوف في النفوس.
وقد اتسم الخطاب الجديد للجماعة بالاتزان الشرعي والعمق الإنساني، وجاءت النصوص في خدمة المقصد، لا في عزله عن الناس.
رابعًا: مراجعات نابعة من أصالة واستقلالية
حظيت مراجعات الجماعة الإسلامية باحترام كبير بين العلماء والباحثين، ليس فقط لجرأتها، بل أيضًا لما اتسمت به من:
• أصالة علمية: من خلال الاستناد إلى أمهات الكتب الفقهية.
• منهجية واضحة: اعتمدت على دراسة النص ومراعاة الواقع.
• تجرد في التقييم: إذ لم تتردد الجماعة في الاعتراف بأخطائها علنًا.
ولم تكن تلك المراجعات مجرد تنظير، بل تحوّلت إلى منهج عملي في التعامل مع المجتمع والدولة، وشكّلت أساسًا لخطاب إسلامي جديد أكثر وعيًا واعتدالًا.
خامسًا: من التنظير إلى التطبيق… مراجعات تتجدد بالممارسة
ما يميّز مراجعات الجماعة الإسلامية عن غيرها هو أنها لم تبق حبيسة الكتب، بل انتقلت إلى حيّز الممارسة الواقعية، فأسست الجماعة بعد ثورة يناير حزب البناء والتنمية، وشاركت في العمل السياسي والمجتمعي ضمن إطار سلمي وقانوني، دون أي ازدواجية في الخطاب أو الموقف.
وشملت الممارسات الواقعية:
• المشاركة في الانتخابات البرلمانية.
• تقديم مبادرات للحوار والمصالحة الوطنية.
• الانخراط في العمل الدعوي والخيري بعيدًا عن الاستقطاب.
• التمسك بالسلمية رغم القمع والاضطهاد الأمني.
وهذا يؤكد أن المراجعة الفكرية لم تكن مجرد ترف نظري، بل كانت خطوة في مشروع طويل الأمد للإصلاح.
خاتمة: مراجعات الجماعة… اجتهاد راشد ونموذج نادر
لقد قدّمت الجماعة الإسلامية في مراجعاتها نموذجًا فريدًا في التجديد من الداخل، دون خيانة للثوابت أو مساومة على المبادئ.
فقد جمعت بين الأصالة والتجديد، وبين فقه النص وفقه الواقع، وبين المقاصد والتطبيق.
وفي زمنٍ يزداد فيه الانغلاق والتشدد، ويفتقر فيه الخطاب بشكل عام إلى البصيرة والمرونة، تُعد مراجعات الجماعة الإسلامية أحد أهم النماذج القابلة للاستفادة والتطوير، ليس فقط في مصر، بل في سائر العالم الإسلامي.
إنها مراجعات تنبع من الإيمان لا من الخوف، ومن العلم لا من المجاملة، ومن رؤية إصلاحية واعية تسعى إلى بناء مجتمع مسلم آمن، متماسك، وعادل.
يتبع..
(İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يدين الأستاذ حسن ساباز استغلال حرية التعبير للإساءة للنبي محمد ﷺ ويشدد على ضرورة احترام المقدسات، ويؤكد أن الدفاع عن النبي واجب أخلاقي ثابت، وأن المسلمين يرفضون تحويل مقدساتهم إلى أداة للنزاعات أو السخرية.
يحذر الأستاذ محمد كوكطاش من الاجتزاء للآيات، خصوصًا الآية "لا تقنطوا من رحمة الله"، دون قراءة ما بعدها من توجيهات تحث على التوبة وتحذر من التسويف، مؤكدًا أن فهم القرآن لا يكتمل إلا بالنظر إلى السياق الكامل للآيات.
يندد الأستاذ محمد كوكطاش باستخدام الرسوم الكاريكاتورية كسلاح قذر ضد الإسلام، مؤكدًا أن الرد الحقيقي يكمن في تجنب هذه الأساليب والتركيز على حماية المقدسات بالوعي والمسؤولية الوطنية.