الجماعة الإسلامية من الرؤية إلى التغيير… لماذا تتعثّر انطلاقة مصر؟

كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن (6 - 7) من سلسلة: الجماعة الإسلامية المصرية… من المواجهة إلى الرؤية، ما يلي:
تمهيد: حين لا تكفي الرؤية وحدها
في مقالات سابقة من هذه السلسلة، طُرحت ملامح مشروع وطني متكامل، يستند إلى مرجعية إسلامية منفتحة، ويتبنى رؤية إصلاحية تنأى عن الاستقطاب والتشنج، وتعبر عن طموحات المواطن المصري بلغة جامعة، بعيدًا عن الحزبية الضيقة أو المزايدات الأيديولوجية.
غير أن السؤال الجوهري يبقى مطروحًا: لماذا لا تنطلق مصر نحو هذا المستقبل المنشود، رغم وجود رؤى ناضجة وأفكار إصلاحية واضحة؟ وهل تكمن المعضلة في غياب التصورات؟ أم أن هناك عوائق بنيوية وواقعية تمنع تحوّل الرؤية إلى تغيير؟
إن ما نراه اليوم من جمود سياسي، واختناق اقتصادي، وانكفاء مجتمعي، لا يمكن فصله عن منظومة معقّدة من التحديات، محلية وإقليمية، حالت دون تحقق مشاريع النهضة، مهما كانت نوايا أصحابها.
أولًا: غياب الإرادة السياسية المستقلة
لا يمكن لأي مشروع وطني أن يرى النور دون إرادة سياسية تعبّر بصدق عن تطلعات الشعب، وتُستمد من الداخل لا من دوائر التأثير الخارجي. وهنا تبرز الإشكالية الكبرى:
فعلى مدار السنوات الماضية، لم تكن التأثيرات الخارجية بعيدة عن صناعة القرار الوطني، سواء عبر الضغوط السياسية، أو التمويل المشروط، أو التفاهمات الأمنية التي قيدت الحركة السياسية.
وقد انخرطت في هذا الوضع أطراف رسمية وأخرى نافذة، تتحمّل مسؤولية تعطيل كثير من المبادرات الإصلاحية، وخلق حالة من الارتهان المقنّع.
ومن هنا فإن استعادة القرار الوطني المستقل ليست شعارًا مثاليًا، بل ضرورة وجودية تتطلب من كل مؤسسات الدولة والنخب السياسية أن تتحمل مسؤولياتها، وتعيد ضبط البوصلة نحو مصلحة الوطن أولًا، دون انغلاق ولا تبعية.
ثانيًا: الجغرافيا السياسية… نعمة ونقمة
الموقع الجغرافي الفريد لمصر جعلها دومًا في قلب التوازنات الدولية، ما منحها فرصًا استراتيجية، لكنه في الوقت ذاته جلب تحديات كبرى، من قناة السويس إلى منابع النيل، ومن سيناء إلى المتوسط.
ولذلك، فإن أي مشروع وطني لا بد أن يدرك هذه الحقيقة، ويتعامل معها بوعي استراتيجي، يدير التوازنات ولا يُدار بها، ويحمي المصالح الوطنية دون التصادم مع محيطه أو الارتهان لتحالفاته.
ثالثًا: النسيج الاجتماعي… ترميم الانتماء الوطني
رغم ما يبدو من وحدة وطنية، فإن السنوات الأخيرة كشفت عن هشاشة في الروابط الاجتماعية، نتجت عن تراكم التهميش، وضعف التنمية في الأقاليم، واستمرار السياسات المركزية المفرطة.
هذه الاختلالات أدّت إلى شعور قطاعات واسعة من الشعب بالغبن أو الإقصاء، وهو ما يُضعف قدرة أي مشروع وطني على الحشد أو الاستمرار.
ولذلك، فإن أحد المفاتيح الأساسية للتغيير يكمن في إعادة بناء قاعدة اجتماعية متماسكة، يشعر فيها المواطن بعدالة التوزيع، وكرامة المشاركة، وأمن الانتماء.
رابعًا: غياب القيادات المجتمعية الوسيطة
من مظاهر الخلل الهيكلي في المشهد المصري اليوم، ضعف الحضور الفعّال للرموز المدنية والمجتمعية التي يُفترض أن تكون همزة وصل بين الدولة والمجتمع، وتساهم في صناعة التوافقات الوطنية.
لقد تم تحييد كثير من هذه الرموز، بفعل التضييق الأمني تارة، أو بتآكل الثقة العامة تارة أخرى، ما أفرز فراغًا في القيادة المدنية، وترك الساحة لخطابات التشكيك أو المزايدة.
واستعادة هذا الدور المجتمعي الوسيط يحتاج إلى مناخ من الحرية والمسؤولية، يفتح الطريق أمام الكفاءات الوطنية الصادقة لتكون جزءًا من الحل، لا عائقًا أمامه.
خامسًا: معضلة المركزية المفرطة
لا يمكن إنكار أن المؤسسة العسكرية، ومعها الأجهزة السيادية، تمثل القوة الأكثر تنظيمًا واستقرارًا في مصر منذ عقود. وهي حقيقة تاريخية لا يمكن تجاوزها ولا إنكارها.
لكن الإشكال يكمن في استمرار حالة الاحتكار السياسي، وغياب التوازن بين سلطات الدولة، وندرة المشاركة المدنية الحقيقية في القرار العام.
وإذا أردنا أن ننتقل من الرؤية إلى التغيير، فإن ذلك يمر عبر إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين المؤسسات السيادية والقوى المدنية، في إطار دولة القانون، والمؤسسات، والتوازنات.
خاتمة: كسر الجمود… طريق المستقبل
إنّ تعثّر انطلاقة مصر نحو المستقبل لا يعود إلى غياب الرؤى أو المبادئ، بل إلى غياب البيئة المواتية، والمعادلات العادلة، التي تتيح للأفكار أن تتحول إلى سياسات، وللإرادة الشعبية أن تجد طريقها نحو التنفيذ.
وإذا كانت الجماعة الإسلامية – بما راكمته من مراجعات، وتجارب، وخطاب إصلاحي – تسعى لأن تكون جزءًا من مشروع وطني جامع، فإنها في هذا الطرح لا تدّعي الوصاية، بل تقدّم نموذجًا واقعيًا يمكن البناء عليه، ضمن رؤية أوسع تسعى إلى فتح المجال أمام كل الطاقات الوطنية.
وهكذا، فإن التغيير الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالعوائق، ثم السعي الجاد لتجاوزها، بتكاتف الجميع… من الدولة إلى المجتمع… ومن المؤسسات إلى الأفراد… في مسار وطني يليق بمصر، وشعبها، وتاريخها. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يحذر الأستاذ عبد الله أصلان من أن الحديث عن السلام والتخلي عن سلاح PKK لا يزال كلامًا فارغًا دون خطوات فعلية، وسط استمرار الدعم العسكري لبعض الجماعات المسلحة، كما ويشدد على ضرورة أن يكون التخلي حقيقيًا وليس استعراضيًا، لتحقيق سلام حقيقي وأمن مستدام للشعوب.
يسلّط الأستاذ حسن ساباز الضوء على جرائم الاحتلال باستهداف متعمّد لمراكز توزيع الغذاء في غزة ضمن مخطط لتهجير السكان، ويستنكر ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل للسلام، في مشهد يعكس تواطؤ القتلة وسط صمت دولي وصمود مقاوم.
هاجم الأستاذ محمد أشين تصريحات زعيم المعارضة أوزغور أوزال التي لوّح فيها بمصير مشابه لمحمد مرسي، معتبرًا أنها تهديد مباشر للديمقراطية التركية، وتحريض على الفوضى تحت ستار الشارع والديمقراطية.