الدولة والمجتمع… كيف نُعيد بناء العلاقة المختلّة؟

كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن المقالة الأولى من سلسلة (2 - 10) من سلسلة: من الأزمة إلى النهضة… رؤية إنقاذ وطن، ما يلي:
تمهيد: عقد اجتماعي مكسور
منذ عقود، تعيش مصر أزمة مستحكمة في العلاقة بين الدولة والمجتمع. علاقة يغلب عليها التوتر والارتياب، تنكسر أحيانًا في صورة انفجار أو قطيعة، وتتكلّس أحيانًا أخرى في حالة من الخضوع القسري أو الصمت المفروض. وخلف هذا المشهد، ظلّ الوطن عاجزًا عن بلورة صيغة تُعيد تشكيل العلاقة على قاعدة التفاهم والتكافؤ والاحترام المتبادل.
ولأن هذه العلاقة تشكّل الأساس الذي يقوم عليه أي مشروع وطني، فإن إعادة بنائها تُعدّ من أبرز التحديات التي تواجه الراغبين في الإنقاذ والنهضة. لكن من المهم أن ندرك أن هذا البناء لن يتم في ظل منظومة ترى في الشعب خطرًا، وفي النقد خيانة، وفي المشاركة تهديدًا. فالنظام القائم، بطبيعته الأمنية المركزية، لا يؤمن بالشراكة ولا بوساطة المجتمع، بل يتعامل مع الدولة كأداة سيطرة لا كجسر للثقة والتكامل.
ولهذا، فإن أي مسار للنهضة لا يمكن أن يبدأ من التعايش مع هذه المنظومة، بل من الاستعداد لتجاوزها، وتأسيس عقد جديد بين الدولة والمجتمع، تُصاغ معالمه من قِبل القوى الوطنية الواعية، لا من صالونات السلطة المغلقة.
أولًا: الدولة المركزية… منظومة فوق المجتمع لا في خدمته
منذ تشكّلت الدولة الحديثة في مصر على يد محمد علي، ساد منطق “الدولة المتفوّقة على المجتمع”، التي ترى نفسها القَيّمة على الناس، والمُخوّلة بتحديد ما يُقال وما يُسكت عنه، وما يُسمح به وما يُجرَّم.
وقد تطوّر هذا النموذج ليصبح، في صورته الراهنة، أكثر توحّشًا وتسلّطًا:
• فاحتكرت السلطة التنفيذية القرار كله بلا رقيب أو شريك؛
• وتحوّلت المؤسسات النيابية إلى ديكور سياسي؛
• وخُنقت النقابات، وجُفّف المجتمع المدني، وتحوّلت المشاركة إلى خطر ينبغي رصده لا دعمه.
لقد فشلت هذه الدولة السلطوية في استيعاب طاقات المجتمع، لا لأنها لم تمتلك الوسائل، بل لأنها لم تكن تملك الإرادة. فهي لا ترى في الناس شركاء، بل قُصّر ينبغي وصايتهم، وتطويعهم، ومراقبتهم.
ثانيًا: المجتمع الحيّ… الذي لم يمت رغم التهميش
ورغم القمع والتشويه والتهميش الذي مورس لعقود، فإن المجتمع المصري لم يفقد حيويته. فما زالت هناك طاقات شبابية، ومبادرات مدنية، وأصوات مستقلة تنبض بالحياة، تبحث عن فرصة لتُسهم في البناء بعيدًا عن الاستغلال أو التسليع أو الاحتواء.
وحين انسدّت كل المنافذ، عبّر المصريون عن وعيهم العميق في محطات مفصلية، أبرزها ثورة 2011، التي لم تكن نتيجة تحريض خارجي كما يروّج البعض، بل نتاج إحباط عميق من علاقة مختلّة، باتت فيها الدولة خصمًا لا سندًا، والحكم عبئًا لا رافعة.
لكنّ ما أُجهض في ما بعد الثورة لم يكن فقط حلمًا سياسيًا، بل فرصة تاريخية لإعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس سليمة. وما حدث بعد ذلك، كان ارتدادًا عن تلك الفرصة، وعودة إلى المربع الأول: المراقبة، التخوين، الإقصاء.
ثالثًا: الخوف المتبادل… الجدار الذي يجب هدمه
تعيش العلاقة بين الدولة والمجتمع – في ظل المنظومة الراهنة – تحت هيمنة منطق الخوف:
• الدولة تخاف من المجتمع لأنه قد يطالب بحقه؛
• والمجتمع يخاف من الدولة لأنها قد تفتك به متى عبّر أو احتجّ.
هذا الخوف المتبادل أنتج ثقافة شك مزمنة، جعلت الحوار مستحيلاً، والثقة معدومة. فالدولة لا تنصت، والمجتمع لا يثق. والحكم لا يبادر، والشعب لا يجرؤ. وهكذا، انكسر العقد، وتحوّل الوطن إلى ساحة مراقبة لا ساحة مشاركة.
ولا يمكن إصلاح هذه العلاقة بمنطق الترميم، بل لا بد من تفكيك هذا الجدار النفسي والسياسي، وإعادة بناء العلاقة من الصفر على قاعدة: لا خوف، بل احترام؛ لا وصاية، بل شراكة.
رابعًا: نحو صياغة عقد جديد بين الدولة والمجتمع
ليست المشكلة في أن الدولة قوية أو المجتمع متطلّب، بل في أن العلاقة بينهما فُقدت مرجعيتها الأخلاقية والسياسية. والحلّ لا يكمن في ترقيع هذا العقد الممزق، بل في صياغة عقد اجتماعي جديد يحدّد:
• أن الدولة في خدمة المجتمع، لا فوقه.
• أن السلطة تُوزّع على المستويات، لا تتركّز في القمّة.
• أن مؤسسات الوساطة – من أحزاب ونقابات وجمعيات – يجب أن تُستعاد لا تُكمّم.
• أن التعبير، والتنظيم، والمشاركة، حقوق أصلية لا مِنَح مؤقتة.
هذا العقد لا يمكن أن تفرضه سلطة مهيمنة، بل يُصاغ من خلال حوار وطني شامل تقوده القوى الوطنية المستقلة، التي تمتلك المصداقية والنية، وتُدرك أن بقاء الدولة بوضعها الحالي خطر على الجميع، بما في ذلك على نفسها.
خامسًا: لا نهضة بلا ثقة… ولا ثقة بلا احترام للمجتمع
لكي يبدأ مشروع النهضة، لا بد من ردّ الاعتبار للمجتمع، واحترام دوره لا الحجر عليه.
• المواطن الذي يشارك ويقترح وينتقد، هو الأمل لا العدو.
• المعارض الشريف، مهما اشتد نقده، هو شريك في الإنقاذ لا خصم في المعركة.
• المبادرات المدنية، والجمعيات المجتمعية، والطاقات الشبابية، هي أذرع البناء لا قنابل موقوتة.
ولا يمكن بناء وطن تُقصى فيه الإرادات الحرة، ويُستبدل فيه التنوّع بالتطويع، والمشاركة بالإخضاع. النهضة تتطلب مجتمعًا شريكًا لا خاضعًا، وشعبًا يُستمع إليه لا يُساق بالصمت أو التهديد.
خاتمة: العلاقة التي تبدأ بالثقة… تُنقذ ما تبقّى من الوطن
مشروع الإنقاذ الوطني لن يكتمل بدون إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع. وهذه الصياغة لن تكون ممكنة بوجود منظومة لا تعترف أصلاً بوجود المجتمع، بل تعتبره مجرد هامش تابع أو خطر كامِن.
لهذا، فإن التغيير لا يبدأ من داخل هذه الدولة، بل من القوى الوطنية القادرة على تخيّل دولة جديدة… دولة تُبنى على التوازن، والاحترام، والمشاركة، والعدل.
إن مصير مصر لا يمكن أن يُترك رهينة لعقلية ترى في المواطن رقمًا، وفي المعارضة مؤامرة، وفي الحريات ترفًا.
مصر لا تُدار بالخوف… بل تُبنى بالثقة. (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
أكد الأستاذ "إسلام الغمري"، نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع لا تواجه فقط غارات من الخارج، بل تواجه معركة داخلية مع آثار التشظي والانقسام، وهي معركة لا تقل شراسة، لكنها بدأت تُخاض بثقة، وبمساندة صادقة من الحلفاء.
كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن المقالة الأولى من سلسلة (1 - 10) من سلسلة: من الأزمة إلى النهضة… رؤية إنقاذ وطن، ما يلي:
يُسلط الأستاذ سعد ياسين الضوء على مرور عام على استشهاد القائد المجاهد محمد الضيف، مستذكرًا حديث النبي ﷺ الذي يبرز قيمة الصبر في أوقات المحن، ويضاعف أجر المجاهدين خمسين ضعفًا.